مرض التوحد أو الاضطراب في الطيف الذاتي (ASD) هو إحدى الحالات التي تندرج تحت مجموعة اضطرابات التطور، ويظهر عادة في الرضاعة، قبل سن الثلاث سنوات. يختلف خطورة وأعراض هذا المرض من فرد لآخر، لكن جميع حالات التوحد تؤثر على قدرة الأطفال على التواصل مع الآخرين وتطوير علاقات اجتماعية.
تشير التقديرات إلى أن 6 من كل 1000 طفل يعانون من التوحد، ويتزايد عدد الحالات المشخصة باستمرار. لا يُعرف بالضبط سبب هذا الزيادة، سواء كانت نتيجة لتحسين كفاءة الكشف والتبليغ أم زيادة فعلية في معدل الإصابة بالتوحد، أو نتيجة لتأثير العاملين معًا.
على الرغم من عدم وجود علاج محدد للتوحد حتى الآن، يُظهر أن العلاج المبكر والتدخل الكثيف يمكن أن يحدث تحسنًا كبيرًا في حياة الأطفال المصابين. يبقى التحدي الرئيسي هو فهم أفضل لأسباب هذا الاضطراب وتحسين الطرق لتقديم الدعم والعناية للأفراد المتأثرين بمرض التوحد.
الصعوبات الرئيسية التي يُعاني منها مرضى التوحد
الأطفال المصابون بمرض التوحد يواجهون صعوبات شديدة في ثلاثة مجالات رئيسية هي العلاقات الاجتماعية، واللغة، والسلوك. مع تقدمهم في العمر، قد يظهرون تحسنًا في بعض الجوانب، حيث يصبحون أكثر قدرة على التفاعل الاجتماعي والتكيف مع البيئة.
لكن بعضهم قد يظل لديهم صعوبات في المهارات اللغوية والعلاقات الاجتماعية حتى في مرحلة البلوغ، مما يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشكلات السلوكية. هناك تنوع في مستوى التعلم بين هؤلاء الأطفال، حيث يمكن أن يكون بعضهم بطيئًا في اكتساب المهارات، بينما يظهر آخرون ذكاءًا طبيعيًا أو حتى فائقًا.
فئة قليلة من الأطفال المصابين بالتوحد تظهر ميزات ذاتية فريدة واستثنائية، مثل المهارات المتميزة في المجالات مثل الفن أو الرياضيات أو الموسيقى.
بالتالي، يتطلب التفاهم العميق للتوحد تقديم دعم مخصص للفرد استنادًا إلى احتياجاته ومستوى مهاراته، مما يساعد في تحسين الجوانب التي تشكل تحديًا واحتضان المواهب الفريدة التي قد يمتلكها الفرد المصاب بالتوحد.
أعراض مرض التوحد
نظرًا لاختلاف تظاهرات وأعراض مرض التوحد بين المرضى، فإن كل طفل يبدي تفاعلًا فريدًا تمامًا حتى في حالة وجود نفس التشخيص الطبي. قد يتصرف اثنان من الأطفال المصابين بالتوحد بطرق متباينة للغاية ويظهر لديهم مهارات تختلف تمامًا.
في الحالات الشديدة من مرض التوحد، يظهر عدم القدرة المطلقة على التواصل وإقامة علاقات متبادلة مع الآخرين. تظهر أعراض التوحد في مرحلة الرضاعة في معظم الحالات، ولكن هناك أطفال آخرين يمكن أن يظهروا ويتطوروا بشكل طبيعي قبل أن ينغلقوا فجأة في أنفسهم أو يصبحوا عدائيين، وقد يفقدون المهارات اللغوية التي اكتسبوها.
رغم أن كل طفل يعاني من مظاهر فريدة من مرض التوحد ويظهر سلوكيات وأنماطًا شخصية، إلا أن الأعراض التالية تعتبر شائعة في معظم الحالات:
1. اضطرابات في المهارات الاجتماعية
تظهر علامات صعوبات التواصل الاجتماعي عند المصابين بمرض التوحد بشكل واضح:
– عدم الاستجابة لمناداة اسمه.
– قلة التفاعل البصري المباشر.
– عدم انصاته للآخرين.
– رفض العناق أو التحاشي من التفاعل الجسدي.
– عدم فهم مشاعر الآخرين بشكل واضح.
– انغماس في لعبه الشخصي وتجنب التفاعل الاجتماعي.
2. مشاكل في المهارات اللغوية
تظهر صعوبات في التحدث وفهم اللغة عند مرضى التوحد، وتشمل:
– تأخر في بداية استخدام الكلام مقارنة بالأطفال العاديين.
– فقدان لكلمات أو جمل كانوا يعرفونها سابقًا.
– استخدام طرق غريبة للتواصل، مثل الاتصال البصري لطلب الأشياء.
– تكرار الكلمات أو العبارات دون فهم استخدامها بشكل صحيح.
– عدم المقدرة على بدء أو الاستمرار في محادثات.
3. مشاكل سلوكية
تتضمن مشاكل السلوك عند مرضى التوحد الأمور التالية:
– تكرار الحركات المتكررة مثل الهزاز أو التلويح باليدين.
– تطوير عادات وطقوس يتم تكرارها باستمرار.
– الحساسية المفرطة للتغيرات في الروتين أو البيئة.
– فرط الحركة وعدم القدرة على الهدوء.
– تفاعل غريب مع محددات معينة مثل تكريس اهتمام كبير للأشياء الدوارة.
– حساسية مبالغ فيها للضوضاء أو الأضواء أو اللمس، ولكنهم قد يكونون غير حساسين للألم.
– صعوبة في مشاركة التجارب الشخصية مع الآخرين، خاصةً لدى الأطفال الصغار.
أسباب وعوامل خطر مرض التوحد
ليس هناك سبب واحد معروف بشكل قاطع يسبب مرض التوحد، ولكن يعتبر الاضطراب نتيجة لتفاعل معقد بين عوامل وراثية وبيئية. إليك توضيح للأسباب المحتملة والعوامل المرتبطة بمرض التوحد:
1. اعتلالات وراثية:
– اكتشاف جينات معينة قد تلعب دورًا في تطور مرض التوحد.
– بعض هذه الجينات تجعل الفرد أكثر عرضة للإصابة بالتوحد، بينما تؤثر أخرى على نمو وتطور الدماغ واتصالاته.
2. عوامل بيئية:
– البحث يركز على احتمالية تأثير عوامل بيئية، مثل العدوى الفيروسية أو التلوث البيئي، في تطور مرض التوحد.
– تدخل العوامل البيئية مع العوامل الوراثية لتكوين تفاعل معقد يؤدي إلى التوحد.
3. عوامل أخرى:
– مشاكل أثناء مخاض الولادة قد تلعب دورًا في تطور المرض.
– دور الجهاز المناعي وتأثيره على مرض التوحد يخضع للدراسة.
– اقتراح بعض الباحثين أن ضررًا في منطقة اللوزة بالدماغ يمكن أن يكون له تأثير في ظهور مرض التوحد.
علاج مرض التوحد
حتى الآن، لا يوجد علاج شافٍ لمرض التوحد، ولكن هناك تشكيلة واسعة من العلاجات والتدخلات المتاحة، تُستخدم بشكل متنوع حسب احتياجات وظروف كل فرد. من بين هذه العلاجات:
1. العلاج السلوكي (Behavioral Therapy):
– يركز على تعديل السلوكيات وتعزيز السلوكيات الإيجابية.
– يشمل تقنيات مثل التحفيز والتعويض والتقنيات السلوكية المُبَثَّرَة.
2. علاجات أمراض النطق واللغة (Speech Language Pathology):
– يستهدف تحسين مهارات اللغة والتواصل.
– قد يشمل تدريب النطق وتحسين التواصل غير اللفظي.
3. العلاج التربوي والتعليمي:
– يركز على تحفيز التفاعل الاجتماعي وتطوير المهارات الأكاديمية.
– يستخدم تقنيات التعليم الخاصة بأفراد مصابين بمرض التوحد.
4. العلاج الدوائي:
– يُستخدم في بعض الحالات للتعامل مع أعراض معينة كالقلق أو الاكتئاب.
– يتم تحديد العلاج الدوائي بناءً على احتياجات كل فرد.
No comment