ما هو الوسواس القهري؟

اضطراب الوسواس القهري هو حالة نفسية شائعة ومستمرة تؤثر على العقل. يتميز المصاب بهذا الاضطراب بظهور أفكار وهواجس تجبره على أداء أفعال معينة بشكل قهري، حتى على الرغم من إدراكه لعدم منطقية تلك الأفعال. يقوم المريض بتنفيذ هذه السلوكيات المكررة والقهرية وسط محاولاته اليائسة للتحكم فيها، ورغم مدركه لأنها غير مبررة من الناحية العقلية، إلا أنه لا يستطيع التوقف عن تنفيذها.

هذا الاضطراب يخلق تحديات كبيرة في حياة الفرد المصاب، حيث يعيش في دائرة من التوتر والقلق المستمر، مما يؤثر سلبًا على نوعية حياته اليومية. بالرغم من محاولاته للتغلب على هذه الأفكار والسلوكيات، يظل المصاب بالوسواس القهري محاصرًا في دوامة من التوتر النفسي والعجز عن التحكم في تصرفاته.

ما أسباب الإصابة بالوسواس القهري؟

يعتبر السبب الرئيسي للاصابة بالوسواس القهري مناطق في المخ تظهر عدم الاستجابة الصحيحة للسيروتونين، وهي المادة التي يعتمد عليها بعض الخلايا العصبية للتواصل بينها. يعد ذلك عاملًا مهمًا في فهم أسباب هذا الاضطراب النفسي.

لا يمكن تجاهل أيضًا الدور الذي تلعبه الجينات في تفاقم المرض. فعندما يكون لدى شخص أحد أفراد عائلته تاريخًا بالإصابة بالوسواس القهري، يزيد احتمال تعرضه لهذا الاضطراب أيضًا. يظهر بوضوح تأثير العوامل الوراثية في فهم كيفية حدوث هذا الاضطراب النفسي.

ما أنواع الوسواس القهري؟

تتنوع أنواع الوسواس القهري بشكل واسع، حيث تتركز هذه الأفكار غالباً على جوانب حياة الفرد الهامة بالنسبة له. على سبيل المثال، إذا كانت الديانة تشكل جزءًا مهمًا في حياة شخص ما، قد يركز الوسواس القهري على أفكار غير مرغوب فيها تتعلق بالدين. قد تتنوع أيضًا أفكار الفرد حول شريك حياته، خاصة في بداية علاقة جديدة، حيث يمكن أن يكون الوسواس القهري مرتبطًا بمدى جدية هذه العلاقة.

أمثلة على الأنواع المختلفة من الوسواس القهري:

  • الهواجس المتعلقة بالإصابة بالتلوث أو العدوى، وما يترتب عليها من تكرار مرات الغسيل والتنظيف والتعقيم خاصة في ما يتعلق باستخدام دورات المياه العامة، وبعد مصافحة الغرباء، ولمس مقابض الأبواب.
  • الهواجس المتعلقة بالنظام، وتماثل الأشياء، أو السعي للكمال. يترتب على هذه الأفكار الهوس بإعادة رص الأشياء وترتيبها بدقة بالغة وأبعاد متساوية، يشمل ذلك مفارش السرير، وأوعية الطهي، للدرجة التي تؤثر على رفضه لاستخدام بعض الأغراض منعًا لبعثرتها. وكذلك إعادة الأفعال بشكلٍ عام لعدم الاقتناع بتمامها.
  • التدقيق عدة مرات، وأحيانًا مئات المرات مدة ساعة أو أكثر حول إغلاق مصابيح الكهرباء، والغاز، وباب المنزل، وصنابير المياه، وكذلك تفقد محتوى رسائل البريد الإلكتروني خوفًا من كتابة شيء غير لائق، والشعور بالفزع عند ظهور أي أعراض مرضية بسيطة عليه. ويتفقد جسده مرارًا وتكرارًا بحثًا عن المزيد من العلامات.

ما أعراض الإصابة بالوسواس القهري؟

الوسواس القهري يظهر بأعراض تؤثر على مختلف جوانب حياة المصاب، سواء في العمل، الدراسة، أو العلاقات الشخصية. يستغرق هذا الاضطراب وقتًا يصل إلى ساعة يوميًا، دون أن يجلب للشخص المصاب الارتياح أو السلام النفسي.

الأعراض تتضمن:

1. أفكار متكررة:
– القلق بشأن الجراثيم أو التلوث.
– أفكار غير مرغوب فيها أو محرمة دينيًا.
– أفكار عدوانية تجاه النفس أو الآخرين.
– الرغبة في تنظيم الأشياء بشكل متماثل أو مثالي.

2. تصرفات قهرية:
– التنظيف المفرط.
– غسل اليدين مرارًا.
– ترتيب الأغراض بشكل دقيق.
– التحقق المتكرر من إغلاق الأبواب والنوافذ.

قد يعاني المصاب أيضًا من اضطراب آخر يعرف بالتشنج اللاإرادي، حيث تظهر حركات غير إرادية مثل هز الكتفين أو تقشير الوجه. يتطلب الوسواس القهري فهمًا دقيقًا ودعمًا للتعامل مع التحديات اليومية التي قد يواجهها المصاب.

هل يمكن علاج الوسواس القهري؟

الوسواس القهري هو اضطراب مزمن طويل الأمد، ورغم عدم وجود علاج نهائي، إلا أن العلاج يهدف إلى التحكم في الأعراض وتمكين المريض من العيش بشكل طبيعي. يتضمن العلاج جوانب دوائية ونفسية، ويمكن أن يكون التحسين بارزًا بعد فترة من العلاج التي قد تمتد لعدة أشهر. ويمكن ان يتضمن العلاج:

1. العلاج الدوائي:
يُستخدم مضادات الاكتئاب من فئة مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRI) لتقليل الأعراض. يعمل هذا النوع من الأدوية على تعديل توازن المواد الكيميائية في المخ.

بالإضافة إلى الفوائد، يمكن أن تظهر بعض الآثار الجانبية مثل القلق والإعياء، ولكن هذه الأعراض تتلاشى عادة بمرور الوقت.

2. العلاج النفسي:
يُظهر العلاج السلوكي المعرفي نجاحًا في تحسين حالة المرضى. يساعد المريض على التعامل مع القلق والأفكار السلبية دون الاستجابة لها.

تُعرف أحد وسائل العلاج السلوكي المعرفي باتباع طريقة أسلوب Exposure And Response Prevention (EX/R) تعتمد هذه الطريقة على أن يتعرض المريض للتعامل تدريجيًا مع مخاوفه وتجاوزها، ويتضمن ذلك تعرض المريض لمصادر القلق بشكل تدريجي دون السماح له بالاستجابة القهرية المعتادة.

العلاج يتطلب التفرغ والالتزام، وقد يستغرق وقتًا قبل أن يلاحظ المريض تحسنًا ملموسًا في حالته.

مضاعفات الإصابة بالوسواس القهري؟

الوسواس القهري قد يسفر عن مضاعفات جسدية ونفسية إذا لم يتم التعامل معه بفعالية. من بين هذه المضاعفات:

1. الاكتئاب:
يمكن أن يزيد الوسواس القهري من خطر الإصابة بالاكتئاب، حيث يعيش المريض في دائرة من الأفكار السلبية المتكررة والقهرية.

2. الأفكار الانتحارية:
في بعض الحالات، يمكن أن يؤدي الاكتئاب الذي يرافق الوسواس القهري إلى ظهور أفكار انتحارية.

3. تأثير العلاقات:
يمكن أن يؤثر الوسواس القهري على العلاقات الشخصية والعملية، حيث يمكن أن يصبح المريض أقل قدرة على التفاعل الاجتماعي والعمل بشكل فعّال.

4. التأثير الجسدي:
قد يؤدي التركيز المفرط على التنظيف واستخدام مواد الاستحمام بشكل مكثف إلى التهابات الجلد ومشاكل صحية أخرى.

5. اضطرابات الأكل:
يمكن أن يؤدي الوسواس القهري إلى فقدان الوزن واضطرابات في الأكل نتيجة للتركيز المفرط على الأفكار القهرية.

6. عدم القدرة على الاندماج:
يمكن أن يؤثر الوسواس القهري على القدرة على التحصيل الدراسي والاندماج في المجتمع، مما يؤثر على النجاح العام للفرد.

في الختام، يعتبر إعادة التفكير قبل اتخاذ قرارات هامة وتنظيم الأشياء بشكل أفضل أمورًا طبيعية وشائعة. إذا كانت هذه التجارب تحدث لك من حين لآخر، فلا داعي للقلق. ومع ذلك، عندما يصبح هذا التأثير مستمرًا ويؤثر على جودة حياتك وعلاقاتك، يكون من المهم البحث عن المساعدة الطبية.

لا تتردد في استشارة الطبيب ومشاركته ما تشعر به. يمكن للعلاج المناسب والتوجيه النفسي أن يكونان طرقًا فعّالة لتحسين الحالة وتحقيق حياة هادئة ومستقرة. تذكر دائمًا أن الاهتمام بالصحة النفسية يمثل جزءًا أساسيًا من العناية بالذات.

لمزيد من التفاصيل يرجى الاتصال بنا.

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *